第十四届“沪江”杯翻译竞赛原文(阿拉伯语组)
المدينة الحاضرة[1]
أمين الريحاني
قرأت كتابك الذي تكرمت به ، و ذكرت عند قراءته من المواعظ و الرسائل التي طالما سمعتها و قرأتها في البلاد التي صرفت فيها ثلثي عمري ما يكفي لابادة التمدن الحديث تماما لو كان لكلام البشر في قلوب البشر شيئا من التاثير . و لكن الكتب التهذيبية و الانتقادية لا تقرأ في هذه الايام مثل ذي قبل . و اذا كانت حقا مفيدة ففائدتها تظهر اولا في نفس المؤلف و غالبا تنحصر فيه . و التهذيب العمومي ما هو الا اتمام التهذيب الافرادي . انا اؤكد بانني استفدت من كتاباتي ادبيا اكثر مما استفاده غيري في مدة الخمس سنوات الماضية . و صرت لا اعتقد كثيرا في المشاريع الوطنية و الكتابات الاصلاحية . فكل منا يشتغل لغاية ، و غالبا تكون الغاية ذاتية محضة و مختبئة مع ذلك تحت الكثير من الادعاء الفارغ و التظاهر الكاذب .
اذا لم يكن للمرء ميل في تغيير شيئ من عاداته و اخلاقه فلا الكتابة و لا التعليم و لا الانتقاد يغير ذلك .
لا ترجع الانفس عن غيها ما لم يكن من نفسها زاجر
فعبثا اذا يندد رجال الدين و ينتقد الكتاب و تعلو اصوات المصلحين . فالمدينة شجرة تحمل من الاثمار انواعا و اشكالا . هكذا كانت في كل جيل . و لا يمكننا قطع الاغصان التي تحمل اثمار مُرة دون ان نضر بالشجرة كلها . و اذا كانت الغاية من تطهير الهيئة الاجتماعية اشتئصال الشجرة تماما فانا فردا ، لا اعترض و لا احتج . اقطعوها او اقلعوها او احرقوها ما دامت بعيدة عن جحا و بيته !
ثم لا يخفاك ان المصلحين يستكثرون آفات الهيئة الاجتماعية و يجسمونها لغايات خصوصية مادية . فالتفاوت الموجود بين الناس في القوى الجسدية و العقلية و الروحية يعترض اعتراضا قويا على الكمال الشامل الذي نتطلب . و اذا نقلنا السماء الى الارض اين نذهب يا ترى بعد الموت ؟
لولا آثام بني الانسان و آفاتهم لما تقدمت الفنون الجميلة كلها . فالمصور و الكاتب و المتشرع مثل الطبيب و التاجر و الكاهن ، كلهم يعيشون على ضعف الانسان و جهلهم . نعم يوجد كثير من العادات و التقاليد المضرة التي يجب ان تبطل و تباد . و ليست هى فقط نتيجة سوء التهذيب ، كما ذكر المؤلف ، فللوراثة والمعاشرة و الظروف كبير شأن في شقائنا و سعادتنا . و أما الطهارة الاصلية " المفقودة " و السلام العام و المحبة الشاملة و الأخاء البشري فكلها احلام جميلة لا تلذ لنا و لا تفيدنا الا اذا ظلت احلاما . و لكن اسقطوها ، ايها الكماليون ، من وراء كواكبها الباهرة الى ارض العمل فيمل منها الانسان في ظرف سنة او أقل و يقوم في الارض ، اذ ذاك من يطلب التخلص من عبودية الكمال و المحبة و الاخاء العام — يقوم في الناس من يطلب التخلص من السعادة المستمرة المملة و السلام الجميل الداعي الى الخمول و الموت . فليبق الكمالات بعيدة عنا لنتغزل بها ، لنظل متحمسين مجدين في طلبنا .
يظهر لي ان للعقل البشري في ترقيه ثلاثة اطوار. طور التذمر و النفور ، و طور المراقبة و التحليل ، و طور التساهل و الحب . ففي الاول يقوم الشاب ثائرا ضد المحيط الذي يجد فيه و ينفر من مظاهر التمدن و آفات الاجتماع ، اذ لا يرى حولهالا طبقات فوق طبقات من الظلمة ، و في الثاني ينتقل من التذمر و التأفف الى المراقبة و التحلل فتنقشع الظلمة الوهمية نوعا ما و في آفاق نفسه تأخذ الكواكب في البزوغ ، و في الثالث يولي الظلام و يشق الفجر و تشرق الشمس ، فيمل اذ ذاك الشاب من التحليل و يميل الى الحب . و أما الودية المظلمة التي تبقى و الكهوف المخيفة و الغابات العميقة التي لا يصل اليها قط النور ففي هذه كلها ايضا نوع من الجمال و الغرابة و الراحة للنفس . نعم ان وراء كل غيمة حباحب من النجوم المنيرة ، ان في الشر جرثومة من الخير . أفلا يصعب علينا تمييز الاثنين اذا كان لا يفصل بينهما احيانا الا شعرة واحدة ؟ ان أكثر الآفات التي عددها المؤلف الواسع الاطلاع في كتابه هذا لهى آفات المدينة في كل جيل و لا يجد ما يختص في تمدننا الحديث سوى آفاتي الاحتكار و البورصة . اما الاعتصاب[2] فهو نتيجة حسنة للاحتكار المميت ، هو جرثومة الخير في الشر . فاذا حق لارباب المال ان يتحدوا ليحتكروا لزوميات الحياة أفلا يحق للعمال ذلك ليحافظوا على بيوتهم و عيالهم و حياتهم على الاقل ؟
و قد لمح المؤلف تلميحا الى ما وراء تمدن اهل الغرب من الاستئثار و الطمع و حب المال . و حبذا لو اسهب في هذا الموضوع و اهمل بعض الآفات الصغيرة التي تختفي و تضمحل ضمن آفات اكبر منها و اهم . فتمدن اهل الغرب مؤسس على التجارة فقط و روح التجارة الخبيثة سائد على دوائرهم الاجتماعية و الادبية و الدينية . فمن اجل التجارة يتظاهرون بالصداقة بعضهم لبعض ، و من اجل التجارة يبنون المستشفيات ، و من اجل التجارة يبثون روح تمدنهم في الشرق ، و من اجل التجارة يجندون الجنود و يبنون المدرعات و يغزون و بفتحون الامصار ، و من اجل التجارة يؤلفون الكتب و يصورون الصور و ينحتون التماثيل ، و من اجل التجارة ايضا يبشرون بالكتب المقدسة و يقيمون الكنائس ، فالتمدن عندهم هو التمول بجميع اساليبه .
[1] كلمة وجهها سنة 1905 الى مؤلف << آفات المدينة الحاضرة>>
[2] الاعتصاب هو الاضراب في اصطلاح تلك الأيام .
附件下载: